ويجري التعامل مع التعليم باعتباره محورا أساسيا في عملية التنمية طويلة الأمد، وعنصرا حاسما في بناء الإنسان وترسيخ الأمن الاجتماعي.
وخلال هذه المرحلة، ركزت السلطات على إعادة تشغيل المدارس المتوقفة، وصيانة المنشآت التعليمية التي تضررت بفعل الصراع، ولا سيما في المدن التي شهدت مواجهات مسلحة خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها مدينة بنغازي.
وترافقت هذه الجهود مع إجراءات تهدف إلى استقرار العملية التعليمية، شملت تأمين المؤسسات التربوية، وضمان انتظام الدراسة، وتوفير دعم أكبر للكوادر التعليمية، ما أسهم في عودة أعداد كبيرة من الطلبة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع طويل.
وعلى مستوى المشاريع، شهدت مناطق الشرق الليبي تنفيذ سلسلة من المبادرات التعليمية، تمثلت في إعادة إعمار عشرات المدارس وتجهيزها بالمرافق الأساسية، إلى جانب إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة في أحياء سكنية ومناطق كانت تعاني نقصا واضحا في الخدمات.
كما جرى العمل على تطوير عدد من المعاهد الفنية والتقنية، في محاولة لربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل، فضلاً عن دعم الجامعات، وفي مقدمتها جامعة بنغازي، من خلال تحسين البنية التحتية وتوسعة الكليات واستئناف الدراسة بصورة منتظمة.
وأظهرت هذه الخطوات نتائج ملموسة على صعيد تحسين التحصيل الدراسي، والمساهمة في الحد من تسرب الطلاب، خاصة في المناطق التي شهدت تحسنا ملحوظا في الوضع الأمني والخدماتي.
وفي سياق مواز، برز توجه نحو تعزيز التعاون الدولي في المجال التعليمي، حيث ظهرت روسيا كأحد الشركاء المحتملين ضمن مسار دعم الاستقرار وإعادة الإعمار في الشرق الليبي.
ورغم أن هذا التعاون لا يزال في مراحله التمهيدية، إلا أن مؤشرات عدة تعكس اهتماما متبادلا بتطوير القطاع التعليمي، من خلال برامج لتأهيل الكوادر، وتبادل الخبرات الأكاديمية، وبحث آفاق التعاون بين الجامعات، إلى جانب طرح أفكار لمشاريع تعليمية مستقبلية ضمن حزمة أوسع من الشراكات التنموية.
وتعد مدينة بنغازي نموذجا لهذا التحول، بعدما استعادت المدارس والجامعات فيها نشاطها عقب سنوات من التعثر، بالتوازي مع مشاريع إعادة الإعمار وتحسين الخدمات.
ويرى متابعون أن عودة الاستقرار إلى العملية التعليمية في المدينة أسهمت في طمأنة الأسر، وساعدت على استعادة مظاهر الحياة الطبيعية.
وفي المقابل، يعاني الوضع التعليمي في غرب ليبيا من تدهور واضح ينعكس في ضعف البنية التحتية وازدحام المدارس ونقص الخدمات الأساسية داخل المؤسسات التعليمية.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى تراجع معدلات الالتحاق بالمدارس بما يصل إلى 20% خلال السنوات الماضية، ما يعني حرمان نحو 150 ألف طالب من التعليم.
ويعاني عدد كبير من المدارس من نقص حاد في الكتب الدراسية، إذ لم يتجاوز التوزيع في بعض المناطق 45% من الاحتياج الفعلي.
ويواجه النظام التعليمي عجزا في الكوادر، مع حاجة آلاف الطلاب إلى دعم تعليمي مباشر ونقص ملحوظ في أعداد المعلمين المؤهلين.
وأدى ضعف التمويل إلى تدهور جودة التعليم وتراجع مستوى التحصيل الدراسي، كما تعاني وزارة التعليم التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، من غياب قواعد بيانات دقيقة حول التسرب والحضور والنتائج.