واستُقبل الإعلان بتباينات واضحة سبقت الكشف عن التعديلات، إذ انقسمت القراءات السياسية إلى اتجاهين، يرى الأول أن الخطوة تعكس تفاهمات غير معلنة مع خصوم حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية في شرق البلاد وجنوبها، تمهيداً لتشكيل حكومة موحدة برعاية قوى غربية منخرطة في الملف الليبي، بينما اعتبر الاتجاه الآخر أن التعديلات تهدف إلى إعادة ترتيب وتحصين الجبهة السياسية والأمنية الداعمة للدبيبة.
وبالتوازي مع ذلك، فتح الإعلان باب التكهنات بشأن مصير الوزراء الحاليين، بين من سيستمر في منصبه ومن سيغادره، ما فاقم الجدل حول طبيعة التوازنات السياسية والأمنية التي قد تفرزها هذه التعديلات، والمتوقع الإعلان عنها قبل نهاية العام الحالي.
ووصف عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي التكبالي، التعديلات المرتقبة بأنها “مناورة لكسب الوقت”، تهدف إلى تعزيز حضور حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية في غرب البلاد، بما يضمن عدم تجاوزها أو تهميشها، في ظل المبادرات المطروحة لحل الأزمة، وعلى رأسها الخريطة الأممية والمساعي الأميركية.
وتساءل التكبالي، في تصريح صحفي، عن أسباب تأخر الدبيبة في معالجة الشغور القائم منذ فترة طويلة في أكثر من 15 وزارة من أصل 35، من بينها حقائب سيادية وخدمية مهمة، مثل التعليم والصحة.
وتعيش ليبيا منذ سنوات حالة ازدواجية في السلطة، بين حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها في غرب البلاد، وحكومة أسامة حمّاد المكلّفة من البرلمان والمدعومة من قائد “الجيش الوطني” المشير خليفة حفتر، التي تدير المنطقة الشرقية وأجزاء واسعة من الجنوب.
ومنذ تشكيلها عام 2021، واجهت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية أزمات متلاحقة، شملت اتهام وإدانة خمسة وزراء على الأقل، إلى جانب استقالة عدد من أعضائها دعماً للحكومة التي شكّلها البرلمان مطلع عام 2022 ، فضلاً عن استقالات أعقبت احتجاجات شعبية اندلعت على خلفية اشتباكات مسلحة شهدتها طرابلس قبل أشهر.
وأشار التكبالي إلى ما وصفه بـ”فشل محتمل لمساعي الدبيبة لإدماج عناصر مقربة من القوى السياسية والعسكرية في الشرق الليبي”، معتبراً أن رئيس الحكومة يسعى إلى قطع الطريق أمام تنفيذ الخريطة الأممية التي تتضمن تشكيل حكومة موحدة جديدة لعموم ليبيا، وهو ما يعني عملياً إزاحة حكومته، لذلك يحاول ضم وزراء من الشرق لإظهار حكومته كأمر واقع موحد.
ومع تجدد الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي خلال الأشهر الأخيرة، يرى مراقبون أن واشنطن تعمل على بلورة صفقة غير معلنة لتقاسم النفوذ بين القوى الفاعلة على الأرض، وتحديداً بين حفتر والدبيبة، قد تفضي إلى تشكيل حكومة مشتركة بين الطرفين.
وفيما يخص موقف البرلمان من التعديلات، اكتفى التكبالي بالتذكير بأن مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة في سبتمبر 2021، ويعدّها منتهية الولاية، مرجحاً عدم اكتراث أطراف عدة بهذه التعديلات، بما في ذلك البعثة الأممية.
وكانت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، قد قالت خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي قبل أيام، إنها أُحيطت علماً بإعلان حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بشأن التعديلات، لكنها “ليست على اطلاع على تفاصيلها”.
وانضم التكبالي إلى آراء بعض المراقبين الذين رجحوا أن التعديل، في حال إقراره، لن يمس وزير الدولة لشؤون الاتصال وليد اللافي، مقابل توقعات واسعة باستبعاد وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، مشيراً إلى أن استبعاد الأخير سيبقى مرهوناً بالتوصل إلى تفاهمات مع مدينة الزنتان، مسقط رأسه، حتى لا تفقد الحكومة دعم هذه المدينة المهمة في شمال غربي البلاد.
ويرى سياسيون مقرّبون من حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية أن التعديلات تستهدف تعزيز التحالف الداعم لها، لا سيما في ظل تغيّر خريطة النفوذ الأمني في طرابلس، ونجاح الدبيبة في تقليص نفوذ بعض المجموعات المسلحة لصالح أخرى أقرب إليه، وهو ما قد ينعكس على التشكيلة الحكومية الجديدة.
وفي المقابل، يذهب الناشط السياسي الليبي أسامة الشحومي إلى أن “بصمات أميركية تقف وراء التعديلات المرتقبة”، وقد تمهّد لتشكيل حكومة تضم ممثلي القوى الفاعلة في شرق وغرب البلاد، مستنداً في ذلك إلى تكرار زيارات مسؤولين أمريكيين عسكريين ودبلوماسيين إلى ليبيا.
وسلط الشحومي، في تصريح صحفي، الضوء على نجاح مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي، قبل أشهر، في جمع نائب قائد “الجيش الوطني” الفريق أول صدام حفتر، ومستشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية إبراهيم الدبيبة، في العاصمة الإيطالية روما، حيث نوقشت خطوات عملية لتوحيد المؤسسات.
كما أشار إلى رعاية واشنطن لاتفاق يحدد قنوات الإنفاق على مشروعات التنمية في شرق وغرب البلاد، التي كانت من أبرز أسباب الخلاف بين الجانبين، معتبراً أن ذلك قد يفتح الباب أمام صيغة جديدة لتقاسم السلطة.
وتوقع الشحومي أن “سلطات الشرق قد لا تتنازل عن ثلثي مقاعد الحكومة الجديدة، بما فيها وزارات سيادية مثل المالية والدفاع”، معتبراً أن هذه الشروط تمثل تحدياً كبيراً أمام الدبيبة.
وفي قراءة أكثر توازناً، رأى المحلل السياسي محمد محفوظ أن المفاوضات ستستمر حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان التعديلات، ما يجعل من الصعب الجزم بمآلاتها.
وقال محفوظ لمصدر صحفي إن صدام حفتر قد يكون من بين الشخصيات الأكثر قابلية للتوافق داخل معسكر الشرق، في حال طرح خيار تشكيل حكومة موحدة مع الدبيبة، ضمن مساعٍ أمريكية لإيجاد صفقة تقاسم جديدة، لكنه شدد على أن الأمر لا يزال غير محسوم.
وخلص محفوظ إلى أن أي تعديل وزاري، سواء أفضى إلى صفقة تقاسم أم لا، “لن يكون سهلاً”، وسيخضع لتعقيدات سياسية وأمنية متعددة، مؤكداً أن هذه التعديلات “لن تدعم بالضرورة تطلعات الليبيين نحو الانتخابات، بل قد تؤدي إلى إبعادها أكثر”.