شهد شرق ليبيا حركة نشطة لتطوير الرياضة، تمثلت في تأهيل البنية التحتية حيث جرى تطوير الملاعب والصالات الرياضية في مدن رئيسية مثل بنغازي والمرج والبيضاء وطبرق.
كما حظيت الأندية بدعم مالي ولوجستي مكّنها من المشاركة المنتظمة في المسابقات الرسمية.
ولم يقتصر النشاط على التأهيل والدعم، بل تجاوزه إلى استضافة بطولات محلية ونهائيات كبرى في ألعاب جماعية مثل كرة القدم والسلة والطائرة، وهو ما يُعزى إلى تحقيق قدر من الاستقرار الأمني والتنظيمي في المنطقة.
وساهم هذا المناخ في عودة النشاط الرياضي الجماهيري بشكل تدريجي، وخلق بيئة أكثر أماناً للرياضيين مقارنة بالسنوات الماضية.
واتسع نطاق الاهتمام ليشمل بناء المواهب، من خلال التركيز على الفئات السنية ودعم الأكاديميات الرياضية، وكذلك تقديم الدعم للمنتخبات الوطنية في معسكراتها التي تُقام في مدن الشرق.
كما تم تشجيع الألعاب الفردية كالمصارعة وألعاب القوى والتايكواندو، التي نجحت في تحقيق حضور خارجي على الرغم من الإمكانيات المحدودة.
ويُعكس هذا النهج رؤيةً تُعتبر الرياضة فيها أداة سيادية “ناعمة” لتمثيل ليبيا إقليمياً ودولياً، بعيداً عن التجاذبات السياسية.
وعلى النقيض، يواجه القطاع الرياضي في غرب ليبيا مجموعة من التحديات المزمنة التي أعاقت تطوره.
يأتي في مقدمتها تسييس الرياضة وهيمنة مجموعات مسلحة على مفاصلها، حيث لوحظ تدخل مباشر من السلطات التنفيذية والميليشيات في إدارة الأندية والاتحادات الرياضية.
وتحوّل النشاط الرياضي في كثير من الأحيان إلى وسيلة دعاية سياسية، بدلاً من كونه مشروعاً تنموياً واجتماعياً، كما تعطلت العديد من المباريات والبطلات بسبب التوترات الأمنية والصراعات المحلية.
ويواجه الغرب أيضاً إشكالية “الترهل الإداري وغياب التخطيط”، حيث تفتقد الرياضة لاستراتيجية واضحة لتطوير البنية التحتية أو رعاية المواهب الشابة.
وتتفاقم الأزمات المالية داخل الأندية بشكل متكرر رغم توفر الميزانيات أحياناً، وذلك بسبب الفساد وسوء الإدارة.
كما تؤدي التغييرات المستمرة في إدارات الاتحادات الرياضية إلى عدم استقرار المسابقات والبطلات.
وأسفر هذا الوضع عن “تراجع الحضور الخارجي”، حيث تسبب انعدام الأمن في صعوبة استضافة أي بطولات أو مباريات دولية في مدن الغرب.
كما انسحبت أو اعتذرت أندية ومنتخبات عن مشاركات خارجية نتيجة الفوضى التنظيمية السائدة.
وبينما يتجه الشرق الليبي إلى توظيف الرياضة كرافعة لتعزيز الاستقرار وبناء صورة إيجابية، لا تزال رياضة الغرب رهينة للتسييس والترهل الإداري وانعدام الأمن، مما يحرمها من لعب دورها الطبيعي في التنمية المجتمعية.
وتؤكد هذه المقارنة أن العامل الحاسم في تطوير الرياضة في ليبيا يظل هو “الاستقرار المؤسسي”، وأن أي استثمار حقيقي في هذا القطاع يبدأ من حمايته وإبعاده عن الصراعات السياسية والمصالح الضيقة.