Post image

مرضى ضمور العضلات في ليبيا يتجهون للتظاهر احتجاجاً على تقصير الحكومة

بلغ غضب مرضى ضمور العضلات في ليبيا ذروته بعد تسجيل ثلاث وفيات خلال أسبوعين، بينهم طفلان، وسط اتهامات لحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بالتقصير في توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية.

ويتهم المرضى الحكومة بإهمال معاناتهم مقابل ما وصفوه بالإنفاق السخي على المهرجانات والفعاليات العامة.

وسلّط محمد أبو غميقة، رئيس رابطة “مرضى ضمور العضلات”، الضوء على ما اعتبره “غضباً هادراً بلغ ذروته مع تكرار الوفيات”، في ظل “تجاهل حكومي يبدو متعمداً لمعاناة المرضى”، محذراً من أن “قطار الموت ينتظر عشرات المصابين في ليبيا”، ومشيراً إلى وجود عائلات تضم أكثر من مريض، ما يعكس حجم المأساة داخل الأسرة الواحدة.

وأوضح أبو غميقة، في تصريح صحفي، أن “بعض المرضى كانوا على تواصل مباشر مع مسؤولين للحصول على أجهزة تنفس، لكن الموت كان أسرع من وصول الوعود”، كما حدث مع المريضة فيروز محمد العبار من مدينة شحات بشرق البلاد، التي توفيت عن عمر ناهز 39 عاماً.

وفي بلد يعاني انقسامات سياسية وأمنية مزمنة، شملت وفيات هذا الشهر، إلى جانب حالة فيروز، كلاً من الطفل محمد عبد الهادي أبو زليليعة، البالغ من العمر شهرين، والطفل محمد إبراهيم شلابي (13 عاماً)، اللذين توفيا في طرابلس متأثرين بمضاعفات صحية.

ووفق بيانات رابطة “مرضى ضمور العضلات”، توفي نحو 160 مريضاً منذ أغسطس  2021، معظمهم بسبب نقص الرعاية الطبية الأساسية، فيما ينتظر 28 طفلاً حالياً الحصول على الحقنة الجينية “زولجنسما”، التي قد تسهم في إنقاذ حياتهم.

ومنذ مطلع العام الجاري، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية اتخاذ جملة من الإجراءات لتخفيف معاناة مرضى الإعاقة، شملت تنظيم دعم ذوي الإعاقة، وتحديد الفئات المستحقة للمعاشات، إلى جانب إطلاق برنامج لعلاج ضمور العضلات يتضمن إنشاء معامل جينية.

وفي سبتمبر الماضي، أعلن جهاز “دعم وتطوير الخدمات العلاجية” نقل ستة أطفال إلى أبوظبي لاستكمال علاجهم، إضافة إلى تخصيص موازنات لعشر حالات جديدة، مع استمرار برامج العلاج الطبيعي، كما أطلقت الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي المرحلة الرابعة من حملة لتوفير الأجهزة الطبية التعويضية للمرضى.

وغير أن رابطة “مرضى ضمور العضلات” واصلت تنظيم احتجاجاتها، معتبرة أن هذه الإجراءات “لا تلبي احتياجات المرضى المادية والطبية على نحو كامل”، علماً بأنها نظمت نحو 22 وقفة احتجاجية أمام مقر رئاسة الوزراء في طرابلس خلال السنوات الماضية.

وأشار أبو غميقة إلى أن المرضى يعتزمون تنظيم وقفة احتجاجية جديدة منتصف الأسبوع المقبل، معبّراً عن دهشته من “الإنفاق الحكومي السخي على الاحتفالات والفعاليات، مثل مهرجان (أيام طرابلس الإعلامية)، مقابل التباطؤ في توفير حقنة أو جهاز تنفس لمريض”.

وفي هذا السياق، استعرض عادل الديب، المدير السابق لـ”المركز الوطني لتطوير النظام الصحي” التابع لحكومة طرابلس، تجربته مع ملف المرض، موضحاً أنه قدّم لوزير الصحة السابق في حكومة الدبيبة مقترحاً بإنشاء مركز طبي متكامل لرعاية مرضى ضمور العضلات، يضم خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل النفسي، إضافة إلى دعم حكومي لتأهيل منازل المرضى بما يتناسب مع احتياجاتهم، إلا أن “هذه المقترحات لم تلقَ أي استجابة”.

ويُعد ضمور العضلات من الأمراض النادرة الناتجة عن طفرات وراثية تؤدي إلى فقدان تدريجي للنسيج العضلي، ما يسبب ضعف الحركة وصولاً إلى فقدانها كلياً، وتشمل الأنواع الشائعة في ليبيا الضمور الشوكي، ودوشين، وبيكر، والحزام الطرفي، والكتفي، وفق الأطباء المحليين.

وتوثق رابطة “مرضى ضمور العضلات” 739 حالة من أصل نحو 1600 مريض على مستوى ليبيا، يعيش بعضهم في مناطق نائية تفتقر إلى الخدمات الطبية والدعم اللازم.

وفي قراءة سياسية للأزمة، يرى المحلل السياسي خالد الحجازي أن معاناة المرضى “لا تمثل أزمة صحية عابرة، بل مأساة تعكس سوء إدارة الموارد واختلال منظومة الأولويات، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم”.

وأكد في تصريح صحفي أن استمرار هذا الواقع “يوسّع فجوة الثقة بين المواطنين والدولة، ويحوّل المعاناة الإنسانية إلى أزمة طويلة الأمد نتيجة تغليب الحسابات السياسية والمالية على كرامة الإنسان وحقه في الحياة”.

ومع استمرار هذه الظروف، يواجه مرضى ضمور العضلات في ليبيا واقعاً بالغ الصعوبة، حيث تتقاطع الأزمات الصحية مع سوء إدارة الموارد وتراجع الثقة بالمؤسسات، لتصبح حياتهم اليومية معركة مفتوحة من أجل البقاء في ظل نقص الخدمات وغياب الاستجابة الرسمية الفاعلة.