Post image

تلوث مياه الشرب في ليبيا أزمة مستمرة تهدد حياة الملايين

تشهد ليبيا أزمة متفاقمة تتعلق بتلوث مياه الشرب، مع غياب خطة وطنية عاجلة لضمان جودة المياه وتوافرها، رغم التحذيرات الدولية من ارتفاع مخاطر مواجهة البلاد للعطش خلال العقود المقبلة.

وحذّرت المراكز العلمية والجهات البحثية في ليبيا من مخاطر تلوث المياه الجوفية، التي تُعد المصدر الرئيسي للشرب والاستخدام المنزلي، مهددة حياة الملايين في مختلف المناطق.

وأظهرت دراسة حديثة نشرها المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية بالتعاون مع جامعة طرابلس، أن غالبية مياه الآبار في غرب العاصمة ملوثة بدرجات متفاوتة وغير مطابقة للمواصفات القياسية الليبية.

وكشفت الدراسة أن نسبة الأملاح الذائبة الكلية تجاوزت 3000 ملغ/لتر، أي ثلاثة أضعاف الحد المسموح به، كما تم تسجيل مستويات مرتفعة من بكتيريا الإشريكية القولونية (E.coli)، وبلغت الذروة في بئر بعمق 50 متراً، وبيّنت النتائج أن 60% من الآبار الأقل عمقاً بين 35 و 60 متراً هي الأكثر تلوثاً.

وأكد المركز ضرورة التحرك العاجل، محذراً من استمرار الحفر العشوائي للآبار دون رقابة أو تحاليل دورية لضمان صلاحية المياه، ومن احتمال انتشار أمراض معوية خطيرة نتيجة استهلاك المياه الملوثة، داعياً إلى فرض رقابة صارمة وتفعيل التشريعات المنظمة لحفر الآبار ومراقبة محطات التحلية الخاصة.

ويشير الخبراء إلى أن أزمة تلوث المياه ليست جديدة، لكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة نتيجة تدهور البنية التحتية وتراجع قدرة الدولة على إدارة منظومة المياه.

وقد سجلت بلديات مناطق الجبل الغربي والساحل الغربي انقطاعاً متكرراً في الإمدادات وتراجع إنتاج محطات التحلية، ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على آبار خاصة أو شراء المياه المنقولة بالصهاريج بأسعار مرتفعة.

وقال سالم الورشفاني من منطقة العزيزية جنوب طرابلس، إنه توقف عن استخدام مياه بئر منزله منذ أكثر من عام بعد أن لاحظ تغير طعمها ورائحتها، وأضاف أن تحليلاً أجرته إحدى المختبرات أظهر مستويات تلوث مرتفعة، ما اضطر أسرته لشراء مياه الشرب من محطات التحلية الخاصة، معرباً عن قلقه من مخاطر الأوعية البلاستيكية.

وأوضح عبد السلام اعكاش من جنزور غرب طرابلس، أنه يشتري المياه المعبأة منذ سنوات لكنه لا يعرف مصدرها الحقيقي ولا يثق بجودتها، مضيفاً أنهم يعتمدون على فلاتر منزلية وغلي الماء قبل الشرب، لكن الشعور بعدم الأمان لا يزال قائماً.

وأكد عبد الرازق حمّاد، مسؤول فني في الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، أن التلوث أصبح ظاهرة مقلقة تتجاوز العاصمة إلى معظم المناطق الساحلية والداخلية، مضيفاً أن المخاطر تتزايد نتيجة تداخل الشبكات القديمة للصرف الصحي مع خطوط المياه وتسرب النفايات إلى طبقات المياه الجوفية، ما أسهم في تدهور نوعية المياه بشكل متسارع.

وأضاف حمّاد أن الدولة لا تمتلك حتى الآن خطة وطنية لمياه الشرب، رغم التحذيرات الدولية المتكررة، ولفت إلى اعتماد ليبيا بشكل رئيسي على مياه النهر الصناعي القادمة من الجنوب، والتي تواجه خطر التهالك وانقطاع الخدمة بسبب الإهمال وضعف الصيانة.

وأشار إلى أن الآبار في مناطق الجنوب تعاني من ارتفاع نسبة النترات والمعادن الثقيلة إلى خمسة أضعاف الحد المسموح به، إضافة إلى خطر تسرب المواد النفطية من الحقول القريبة، وتدهور الخزان الجوفي الذي يعتمد عليه أكثر من 90% من احتياجات البلاد من المياه.

وطالب حمّاد بوضع خطة وطنية عاجلة تشمل إنشاء مختبرات رقابة إقليمية، وحصر الآبار العشوائية وإغلاق الملوثة منها، ووضع لوائح صارمة لمنح التراخيص، مؤكداً أن تنفيذ هذه الخطة لا ينقصه الخبراء، بل يعوقه الواقع السياسي والإداري الهش وضعف التمويل المخصص لقطاع المياه.