Post image

تزوير منظم للأحوال المدنية والأرقام الوطنية يهدد الهوية ويستنزف المال العام

كشفت تحقيقات مكتب النائب العام الليبي خلال السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها في العام 2025، عن تفشي ظاهرة تزوير بيانات الأحوال المدنية والأرقام الوطنية على نطاق واسع ومنظم، في ملف وصف بأنه من أخطر ما واجه الدولة منذ عام 2011.

وأظهرت الوقائع أن هذه الممارسات تسببت في مساس مباشر بالهوية الليبية واستنزاف واسع للمال العام، وهددت منظومات سيادية حيوية مثل الانتخابات ودفع المرتبات وإصدار الجوازات ومنح الدعم للأسر.

وانتشرت حوادث التزوير عبر مختلف مناطق البلاد، من شرقها إلى غربها وجنوبها، وشملت مكاتب السجل المدني في طرابلس وبنغازي ومصراتة وسرت وسبها والمرج وصرمان والأصابعة وتاجوراء وطبرق والجفارة.

واتبع الجناة نمطاً متكرراً يقوم على تزوير القيود العائلية الرسمية أو التلاعب بسجلات مواطنين متوفين أو منقطعي الأخبر، وذلك بهدف إدراج أفراد أجانب ضمن أسر ليبية، ومن ثم استخراج أرقام وطنية كاملة لهم ولعائلاتهم تمنحهم حقوق المواطنة كاملة.

وكشفت التحقيقات عن وقائع مذهلة في عدة مدن، ففي مصراتة تم الكشف عن تزوير مكّن 326 شخصاً من الحصول على أرقام وطنية، وفي سبها تورطت موظفة بقبول رشوة مقدارها 17 ألف دينار لتزوير ورقة عائلة واحدة مكنت 7 أجانب، إلى جانب العثور على مئات الشهادات المزورة.

وفي سرت، أدى التزوير إلى استخراج 598 رقماً وطنياً لغير ليبيين، بينما في طبرق تم اختلاق عائلة كاملة من العدم لمواطن متوفٍ دون ورثة، مما مكّن 40 شخصاً من الحصول على أرقام وطنية واستخدامها في التوظيف وصرف المرتبات.

وبلغت الحصيلة الإجمالية للملف، حسب بيانات النائب العام، حبس 68 متهماً، وفحص 10,620 أسرة، وتدقيق 6,990 حالة انتماء، وشطب 291 رقماً وطنياً في مرحلة أولى.

كما كشفت إحصاءات سابقة عن وجود 88 ألف رقم وطني غير صحيح، وأكثر من 17 ألف رقم استخدمت لاستخراج جوازات سفر مزورة، ونحو 8700 شخص يتقاضون مرتبات دولة بأرقام وهمية، وصرف مئات الملايين من الدنانير من خزينة العامة بطرق غير مشروعة.

ورداً على هذه الأزمة التي اعتبرتها لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب “مساساً مباشراً بالأمن القومي”، أطلقت السلطات الليبية عدة مبادرات إصلاحية طموحة.

وشملت هذه الإجراءات تشكيل لجان نيابية متخصصة لفحص المنظومة بالكامل في مايو 2023، وإطلاق مشروع ضخم لمطابقة السجلات الورقية القديمة مع القاعدة الرقمية، والعمل على تطوير وإصدار بطاقة الهوية الوطنية الإلكترونية وجواز السفر الإلكتروني لتأمين عملية الإصدار، وإنشاء مراكز محمية للسجل الوطني.

كما بدأ العمل الفعلي على منظومة التحول الرقمي الشامل لرقمنة الأرشيف القضائي والإداري.

ويواصل مكتب النائب العام تحقيقاته ومراجعته الشاملة للبيانات، في مسار تصحيحي يهدف إلى حماية بيانات المواطنة وسلامة السجل المدني، ووقف النزيف المالي، وترميم الثقة في إحدى أهم ركائز هوية الدولة وسيادتها.