تتباين التقديرات حول عدد المهاجرين غير النظاميين داخل ليبيا بشكل كبير، فبينما تشير الأمم المتحدة إلى وجود نحو 650 ألف مهاجر حتى منتصف عام 2025، تتحدث مصادر محلية عن أكثر من مليون ونصف، فيما تذهب تقديرات ميدانية أخرى إلى تجاوز الرقم حاجز 2.5 مليون شخص.
ويعكس هذا التفاوت حجم الفوضى الإدارية وضعف نظم الرصد والإحصاء، فضلاً عن تعدد مراكز النفوذ الأمنية والسياسية، ما يجعل من الصعب تحديد الحجم الحقيقي للظاهرة أو التعامل معها بفعالية.
وتعد الجغرافيا الليبية عاملا رئيسيا في تفاقم الأزمة، إذ تمتد حدود البلاد مع ست دول أفريقية أغلبها يعيش اضطرابات أمنية واقتصادية مزمنة.
كما يملك الساحل الليبي بطول يقارب 1900 كيلومتر على البحر المتوسط — موقعًا استراتيجيًا جعله أهم بوابة عبور نحو أوروبا.
وتشير تقارير دولية إلى أن أغلب المهاجرين ينحدرون من السودان والنيجر وتشاد ونيجيريا ومصر، ويتمركز أكثر من نصفهم في المدن الغربية مثل الزاوية وصرمان وطرابلس.
ويرى محللون أن استمرار تدفق المهاجرين بهذا الحجم خلق اختلالات حقيقية في سوق العمل والخدمات، حيث يعمل معظمهم في قطاعات غير منظمة كالبناء والزراعة والخدمات المنزلية.
وهذا التوسع في الاقتصاد غير الرسمي أدى إلى تراجع فرص العمل للمواطنين الليبيين، وفتح الباب أمام أنشطة اقتصادية موازية خارجة عن رقابة الدولة، ما يهدد بدوره الاستقرار الاجتماعي في المدن الكبرى.
وتزداد تعقيدات الملف مع ارتفاع معدلات الولادة بين المهاجرين المقيمين داخل ليبيا، حيث تُسجَّل أعداد متزايدة من الأطفال من دون وثائق أو اعتراف قانوني، ما يثير مخاوف من نشوء جيل جديد “بلا هوية” قد يتحول مع الوقت إلى قنبلة اجتماعية وديموغرافية مؤجلة.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه الظاهرة قد يؤدي إلى تغيّر تدريجي في البنية السكانية والثقافية، خصوصا في المدن الساحلية المكتظة بالمهاجرين، ما يهدد التماسك الاجتماعي ويُضعف الهوية الوطنية على المدى الطويل.
وينقسم الموقف من الأزمة بين مقاربة أوروبية أمنية تركز على وقف تدفقات المهاجرين، ومقاربة أممية وإفريقية تدعو إلى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة عبر التنمية ومراعاة حقوق الإنسان.
وفي المقابل، يحاول الاتحاد الأوروبي تمويل برامج لتدريب ودعم حرس السواحل الليبيين، بينما تحذر منظمات إنسانية من انتهاكات جسيمة في مراكز الاحتجاز، مطالبة بتسوية شاملة توازن بين الكرامة الإنسانية والسيادة الوطنية.
ورغم تكثيف الحملات الأمنية التي تنفذها السلطات الليبية لضبط المهاجرين وملاحقة المهربين، إلا أن محدودية الموارد وضعف التنسيق بين الأجهزة جعل نتائج هذه العمليات مؤقتة وهشة.
كما أن اتساع الحدود الجنوبية وصعوبة مراقبتها يوفران بيئة مثالية لتجدد نشاط شبكات التهريب الإقليمية، التي تتحرك بحرية نسبية في ظل غياب رقابة دولية فعّالة.