Post image

التلغراف: شرق ليبيا ينهض من رماد الفوضى وبنغازي تدخل عصر الإعمار

نشرت صحيفة «التلغراف» البريطانية تقريراً مطولاً يرصد التناقض الصارخ بين شرق ليبيا وغربها، مشيرةً إلى أن البلاد تبدو وكأنها منقسمة إلى عالمين مختلفين: الأول تغرق فيه الميليشيات والفوضى في الغرب، والثاني يشهد نهوضاً عمرانياً وتنموياً في الشرق، وخصوصاً في بنغازي، التي وصفتها الصحيفة بأنها «تتجه إلى عصر جديد».

تبدأ الصحيفة تقريرها من أعماق الصحراء الليبية، التي تسميها «البحر الرملي الأعظم»، حيث يعيش المهاجرون الأفارقة معاناةً قاسية في رحلة الموت شمالاً نحو أوروبا.

عشرات الآلاف من المهاجرين من السودان وتشاد والنيجر وإريتريا يعبرون الحدود إلى ليبيا كل عام، على أمل الوصول إلى الساحل المتوسطي، غير أن كثيرين منهم يهلكون في الصحراء؛ إذ تشير تقديرات إلى أن واحداً من كل أربعة مهاجرين يفقد حياته في الطريق.

تقول «التلغراف» إن السلطات الليبية — ولا سيما الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر — اختارت مواجهة هذه الأزمة، فشنّت «حرباً على المهاجرين غير النظاميين» برّاً وبحراً، في محاولةٍ لوقف تدفقهم نحو أوروبا.

غير أن جهودها تصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة التي تمنع ليبيا من استيراد مروحيات أو طائرات مسيّرة، مما يصعّب مراقبة الحدود الشاسعة.

وتلفت الصحيفة إلى أن الجيش الوطني الليبي يقوم بعمليات بحث وإنقاذ دورية في عمق الصحراء، ينتشل خلالها جثث المهاجرين الذين لقوا حتفهم تحت الحرّ والعطش، مشيرةً إلى أن هذه المشاهد المأساوية أصبحت «روتيناً» لدى فرق الهلال الأحمر الليبي.

من جهةٍ أخرى، ترى الصحيفة أن غرب ليبيا ما زال غارقاً في الفوضى، إذ تتناحر الميليشيات المسلحة وتزدهر تجارة السلاح والمخدرات، فيما تبقى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها المعترف بها دولياً عاجزة حتى عن بسط سلطتها على العاصمة طرابلس.

وتصف الوضع هناك بأنه «حكومة بالاسم فقط»، مشيرةً إلى أن البلاد تنتظر انتخاباتٍ وطنية لا يبدو أنها ستُجرى قريباً.

أما شرق ليبيا، وبالتحديد مدينة بنغازي، فتعرضها الصحيفة بوصفها قصة مختلفة تماماً.

فقد استعادت المدينة هدوءها وأمنها بعد سنوات من الصراع، وبدأت تشهد حركة إعمار واسعة تشمل شوارع حديثة، ومطاعم ومقاهي راقية، ومراكز تسوّق تضم علامات عالمية مثل «أديداس» و«أوميغا» و«ماموسو».

كما جرى توقيع صفقات مع شركة «إعمار» الإماراتية لتطوير الواجهة البحرية للمدينة، وبناء فنادق فاخرة وأبراج سكنية وتجارية وحدائق وجسور جديدة.

وترى الصحيفة أن بنغازي، التي عانت من دمارٍ واسع في السابق، تتعافى بسرعة وتعيد بناء نفسها، رغم بقاء آثار الحرب في بعض أحيائها القديمة التي تحوّلت إلى رموز لذاكرة العنف.

وتشير «التلغراف» إلى أن السلطة في الشرق تنتقل تدريجياً إلى جيلٍ جديد من عائلة حفتر، في مقدمتهم صدام حفتر، الذي يوصف بأنه شاب طموح بأسلوب قيادة حديث.

وقد أجرى زياراتٍ رسمية إلى واشنطن وإيطاليا وفرنسا، في إطار جهودٍ لإعادة دمج ليبيا في المجتمع الدولي.

وتوضح الصحيفة أن السلطات في الشرق تعمل على مساعدة بريطانيا والاتحاد الأوروبي في الحدّ من الهجرة غير النظامية، إذ تعيد مئات اللاجئين شهرياً إلى بلدانهم، رغم افتقارها للمعدات الحديثة بسبب العقوبات.

ومع ذلك، يبدي المسؤولون تصميماً على «سحق عصابات التهريب» ويعرضون عملياتهم الأمنية في تسجيلات مصوّرة تظهر اقتحاماتٍ جريئة لأوكار المهربين.

ورغم تحفظ بعض المنظمات الحقوقية على أوضاع مراكز الاحتجاز، تقول الصحيفة إن المسؤولين الليبيين في الشرق يدركون أن تحسين صورتهم أمام الغرب شرطٌ أساسي لجذب الاستثمار والانفتاح الدولي.

ويختتم مراسل «التلغراف» تقريره بالإشارة إلى أنه زار ليبيا رغم تحذيرات وزارة الخارجية البريطانية، مؤكداً أنه غادر البلاد بانطباعٍ مختلف تماماً:
فبينما ما زال الغرب يعيش الفوضى، تبدو بنغازي مدينةً تنفض غبار الحرب وتبني مستقبلاً جديداً، وسكانها — كما يقول — «يبدون ممتنين لمن هم على رأس السلطة اليوم» بعد أن تحرروا من قبضة الميليشيات والتطرف.