وتأتي هذه الاحتجاجات في سياق انسداد سياسي مستمر منذ تعثر الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقررا في ديسمبر 2021، وهو ما أفضى إلى بقاء الأجسام التنفيذية والتشريعية في مواقعها دون تفويض انتخابي مباشر، الأمر الذي عمق حالة الاحتقان داخل الشارع الليبي.
وبينما انطلقت التحركات بدوافع معيشية، على خلفية ارتفاع تكاليف الحياة وتراجع الخدمات الأساسية، سرعان ما اتخذت طابعا سياسيا واضحا، مع رفع شعارات تطالب برحيل الحكومة منتهية الولاية، وتحميلها مسؤولية الإخفاق في تنفيذ تعهداتها، وعلى رأسها تنظيم الانتخابات وتحسين الظروف الاقتصادية.
ويرى مراقبون أن هذا التداخل بين المطلب الخدمي والسياسي يعكس حالة إنهاك عام من إدارة المرحلة الانتقالية، حيث باتت الأزمات اليومية مرتبطة، في نظر المحتجين، بغياب المساءلة واستمرار الفساد وطول أمد الحكم المؤقت.
وتكتسب الاحتجاجات أهمية إضافية لكونها خرجت من مدن كانت تعد من أبرز مناطق النفوذ الاجتماعي للحكومة، ما يشير إلى تراجع واضح في رصيدها الشعبي.
ويذهب محللون إلى أن هذا التحول لا يمكن اعتباره حدثا عابرا، بل مؤشرا على اهتزاز الثقة التي تأسست عليها الحكومة عند تشكيلها، حين قدمت باعتبارها سلطة انتقالية مهمتها الأساسية توحيد المؤسسات وتهيئة البلاد للانتخابات.
وفي هذا السياق، أعادت الاحتجاجات طرح سؤال الشرعية بقوة، في ظل تزايد الرفض الشعبي لاستمرار حكومة منتهية الولاية دون أفق زمني واضح لإنهاء المرحلة الانتقالية.
ولا يقتصر هذا الرفض على السلطة التنفيذية، بل يمتد ليشمل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، اللذين يحملهما المحتجون مسؤولية التعطيل المتبادل والفشل في التوصل إلى توافق سياسي يمهّد لإجراء الانتخابات.
وأصبحت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مطلبا مركزيا يوحد خطاب الغضب الشعبي، باعتبارها المخرج الوحيد من حالة السيولة السياسية.
ويؤكد متابعون أن تعثر هذا المسار أسهم في توسيع الفجوة بين الشارع والنخب الحاكمة، ورسخ قناعة بأن إطالة أمد المرحلة الانتقالية باتت تخدم مصالح سياسية ضيقة.