ومن طرابلس إلى بنغازي ومصراتة وأجدابيا، يصطف المواطنون منذ ساعات الفجر أمام فروع المصارف على أمل الحصول على جزء من رواتبهم أو مبالغ محدودة، فيما تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة تُظهر الزحام والتدافع، وسط استياء شعبي عارم من تدهور الخدمات المصرفية وغياب الحلول الفعالة.
وفي مصراتة، أكد مواطنون أن بعض الفروع لم تتسلم أي مخصصات نقدية، رغم إعلان المصرف المركزي عن ضخ سيولة جديدة في السوق.
أما في أجدابيا، شهدت الفروع تدافعا بين المواطنين بعد ساعات من الانتظار تحت أشعة الشمس، في مشهدٍ وصفه السكان بأنه “إهانة يومية” للمواطنين.
الموظفون المصرفيون يرجعون الأزمة إلى “الضغط الكبير على الفروع ونقص السيولة المرسلة من المصرف المركزي”، بينما يذهب محللون إلى أن السبب الحقيقي يكمن في تراجع الثقة بالنظام المصرفي وارتفاع الرسوم على الخدمات البنكية، إضافة إلى القرارات المتلاحقة للمصرف المركزي التي حدّت من الكتلة النقدية المتداولة.
ويرى الخبير الاقتصادي إدريس الشريف أن “سحب أكثر من عشرين مليار دينار من التداول، من فئات 50 و20 و5 دنانير، دون توفير بدائل كافية، كان خطوة غير مدروسة”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد الليبي يعتمد على النقد المباشر، وما حدث هو تعطيل فعلي للدورة المالية”.
ولم تمر الأزمة من دون ردود حقوقية، إذ أصدرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا بيانا شديد اللهجة، اعتبرت فيه الطوابير الطويلة أمام المصارف “مشاهد إذلال متكررة”، محمّلة مصرف ليبيا المركزي مسؤولية مباشرة عما وصفته بـ”سوء الإدارة المالية وغياب التخطيط”، ومطالبة بتحسين الخدمات وضمان احترام كرامة المواطنين.
وفي المقابل، أعلن مصرف ليبيا المركزي أنه ضخّ نحو ملياري دينار ليبي في المصارف التجارية بمختلف المناطق، مؤكداً أن ذلك يمثل المرحلة الأولى من خطة شاملة لضمان توفر السيولة وتعزيز الاعتماد على الوسائل الإلكترونية في المعاملات المالية.
وأكد المحافظ ناجي محمد عيسى خلال اجتماع مع قيادات مصرفية أن الهدف هو “تحقيق انتظام في توزيع النقد وتوسيع خدمات الدفع الرقمي”.
ويؤكد اقتصاديون أن جزءا كبيرا من السيولة ما زال خارج النظام المصرفي، إذ يحتفظ كثير من المواطنين بأموالهم في المنازل خشية القيود على السحب، مما يقلّص حجم التداول ويُعمّق الأزمة أكثر.