Post image

أزمة السيولة تتفاقم في ليبيا

تتواصل معاناة الليبيين مع أزمة السيولة النقدية التي أعادت طوابير المواطنين أمام المصارف في مختلف المدن، في مشهد يعكس هشاشة الوضع المالي رغم الإجراءات التي أعلنها مصرف ليبيا المركزي لضخ عشرات المليارات من الدنانير الجديدة في السوق خلال الأشهر المقبلة.

وفي بيان صدر منتصف أكتوبر الجاري، أكد المصرف أنه تعاقد على طباعة 60 مليار دينار ليبي (نحو 11 مليار دولار) لتغطية احتياجات المصارف وضمان توفر السيولة “بشكل متوازن ومستقر”.

وأوضح أنه تم بالفعل استلام 25 مليار دينار جرى توزيعها على فروع المصارف التجارية، بينما ينتظر وصول 14 مليار دينار إضافية قبل نهاية العام، على أن تُستكمل الكميات المتبقية في عام 2026.

ةتأتي الخطوة ضمن خطة لإدارة الكتلة النقدية، بعد أن جرى سحب أوراق نقدية بقيمة 47 مليار دينار خلال الأشهر الماضية، بهدف الحفاظ على قوة الدينار وتعزيز الاستقرار المالي.

وجاء هذا التحرك في وقت يواجه فيه الاقتصاد الليبي ضغوطا متزايدة نتيجة الإنفاق الحكومي المرتفع وتراجع قيمة الدينار أمام الدولار.
وكان المصرف المركزي  خفض في أبريل الماضي سعر الصرف الرسمي بنسبة 13.3% ليصبح 5.56 ديناراً مقابل الدولار، في أول تعديل منذ عام 2020، مبرراً ذلك بتجاوز الإنفاق العام 224 مليار دينار في عام 2024، وبارتفاع الدين العام إلى 270 مليار دينار مع توقعات بتخطيه 330 ملياراً بنهاية العام الحالي.

ويؤكد محافظ المصرف ناجي عيسى أن الوضع المالي “يتطلب قرارات جريئة وتعاوناً وطنياً واسعاً لتجنب سيناريوهات الانهيار الاقتصادي”، مشيراً إلى أن الاستقرار النقدي لن يتحقق دون إصلاح شامل في السياسة المالية والإدارية للدولة.

ويقول سلامة الغويل، وزير الاقتصاد الأسبق ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار، إن ضخ الأموال الجديدة “يساعد على تسهيل حركة السوق، لكنه لا يعالج الأسباب الحقيقية لأزمة السيولة”، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في “ضعف الثقة بالمصارف والانقسام المؤسسي وبطء التحول الرقمي”.

وأضاف الغويل أن نجاح المركزي في استعادة التوازن النقدي مرهون بوجود “سياسات مالية منضبطة وبيئة سياسية مستقرة وآليات شفافة لإدارة النقد الأجنبي”، محذراً من أن التوسع في الطباعة دون ضبط الإنفاق قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الضغط على الدينار.

ومن جهته، دعا رجل الأعمال حسني بي إلى تسريع التحول نحو الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على الكاش. وقال إن “شركاتنا لا تعاني من أزمة السيولة لأن 90% من تعاملاتها تتم عبر الحوالات والصكوك المصرفية”، مؤكداً أن التوسع في الخدمات الرقمية هو “الطريق الوحيد لاستقرار المعاملات المالية”.

وأشار إلى أن الخلل الحالي لا يعود إلى نقص الأموال بل إلى توزيع غير متوازن للسيولة بين الجمهور والمصارف، وهو ما يتطلب تحديث النظام المصرفي وإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية.

ورغم ارتفاع إيرادات النفط – التي تشكل نحو 90% من موارد الدولة – إلى أكثر من 79 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، إلا أن الأزمة النقدية ما تزال مستمرة، ما يشير إلى ضعف تأثير العائدات النفطية في الدورة الاقتصادية اليومية.

ويرى المحلل الاقتصادي خالد بوزعكوك أن الحل يكمن في “حزمة إصلاحات متكاملة تشمل توسيع المدفوعات الرقمية، وضبط الإنفاق العام، وتفعيل الرقابة المصرفية”، مؤكداً أن استقرار سعر الصرف هو “الشرط الأول لطمأنة السوق والمواطنين”.